دفع 56 مليون جنيه لـ«نصاب».. ادعى انتماءه لـ«عائلة السيسى» ووعده بمنحه 1000 فدان فى مشروع الـ 1.5 مليون فدان
قدم بلاغًا للرقابة الإدارية ضد النصاب بعد سقوطه فى يد الدولة.. وادعى أنه دفع الأموال تبرعًا للمشروعات القومية الكبرى
الخبر كان عابرًا، أما الواقعة فلم تكن كذلك.
نصاب يدّعى قرابته للرئيس عبدالفتاح السيسى، استطاع أن يحصل من رجل أعمال على 56 مليون جنيه، بحجة أن الرئيس شخصيًا يطلبها تبرعًا للمشروعات الكبرى.
المعلومات التى تتوافر عن الواقعة قليلة للغاية.
الرقابة الإدارية تلقى القبض على نصاب استخدم اسم الرئيس وادعى انتماءه لعائلته، وتعامل مع رجل أعمال بهذه الصفة، ولما أصبح فى أيدى رجال الرقابة الإدارية اكتشفوا أنه سبق ضبطه فى إحدى قضايا الرشوة والاستيلاء على المال العام، كما سبق اتهامه فى 9 قضايا خطف وتبديد ورشوة، والأهم من ذلك أنه اعتاد ادعاء انتمائه لعائلة الرئيس.
الواقعة مبهمة، وقد يكون من غير المهم معرفة اسم النصاب ولا من هم شركاؤه.
لكنى أعتقد أن معرفة رجل الأعمال الذى دفع 56 مليون جنيه عن طيب خاطر أمر مهم، لأن هناك فى لحظة ما رجل أعمال اعتقد أنه يمكن أن يقدم رشوة للرئيس، أو أنه يستطيع أن يكسب وده ويتقرب منه، لمجرد تبرعه للمشروعات الكبرى، أو - وهذا حقيقى جدًا - لمجرد أنه يجلس مع من يدّعى قرابته.
هل تعرفون رجل الأعمال أيمن الجميل؟
على الفور ستقفز أمامك صورة رجل الأعمال الشاب الذى كان حديث مصر كلها، بعد القبض على وزير الزراعة السابق صلاح هلال، متهمًا بتقاضى رشوة لتسهيل الحصول على أراضى الدولة، ورغم أن الرشوة كانت تافهة، «اشتراك فى نادٍ، وعزومة على عشاء، ورحلة عمرة، ومجموعة بدل»، ولما زادت أصبحت صيدلية لبنت معالى الوزير، إلا أن القضية شغلت الرأى العام، ولم يهدأ الناس عنها إلا بعد صدور قرار حظر نشر أحاطها بمزيد من الغموض.
أيمن الجميل الذى كان نجم قضية رشوة وزير الزراعة، صلاح هلال، والذى خرج من القضية براءة بعد أن قال ما لديه، هو نفس رجل الأعمال الذى دفع 56 مليون جنيه لنصاب ادعى قرابته للرئيس السيسى.
لم تنهر إمبراطورية أيمن الجميل بعد خروجه من السجن، لم يخسر سوى عدة ملايين أنفقها على المحامين وعلى إقامته فى السجن، وهذه الملايين وسط ثروته لا شىء على الإطلاق.
أرى فى عينيك فضولًا لمعرفة ما جرى.
بعد خروج أيمن الجميل من السجن مباشرة، وكان ذلك فى أبريل 2016، وصلته هدية على بيته، عبارة عن بوكيه ورد كبير وعلبة شيكولاتة فاخرة، وكارت شيك مكتوب عليه: «حمدًا لله على السلامة»، والتوقيع باسم رباعى آخره السيسى.
رأى أيمن اسم السيسى، فطار من السعادة، اعتقد أن الرئيس كان يتابع قضيته، وحتمًا يعرف أنه أقدم على تقديم الرشوة رغم صحة وسلامة موقفه فى الأرض التى يريد الحصول عليها، لكنه اضطر إلى دفع الرشوة، لأنه لم يجد طريقًا آخر لذلك.
فى اليوم التالى مباشرة، تلقى أيمن الجميل اتصالًا من رقم مجهول، بهدوء شديد تحدث معه مُنْ طلبه: «أيوه يا أيمن.. حمدًا لله على السلامة، إحنا عارفين إنك اتظلمت كتير، بكره أشوفك فى فندق كمبنسكى اللى فى التجمع».
لم يُكذِّب أيمن خبرًا، كان فى الموعد المحدد أمام فندق كمبنسكى، ليجد 4 سيارات فاخرة، ينزل منها أفراد حراسة، تقدموا إليه، وطلبوا منه هاتفه المحمول، وقالوا له: «ستأخذه بعد المقابلة»، فأدرك أيمن أنه سيقابل مسئولًا كبيرًا فى الدولة، إذ ما معنى هذه الإجراءات الأمنية المشددة؟!.
النصاب الذى كان ينتظر أيمن الجميل فى الفندق، كان محترفًا بما يكفى، فقد استعان بعدد من الحراس والبودى جاردات الذين كان يراهم رجال الأعمال فى المناسبات العامة فى سنوات مبارك الأخيرة، وهو ما يوحى بأهميته، وبالمكانة التى يحظى بها.
دقائق ووجد أيمن نفسه أمام النصاب وجهًا لوجه، لم يتحدث، كان مستمعًا فقط.
قال له النصاب: الرئيس يعرف أنك ظُلمت، والتقارير التى أعدتها الجهات السيادية كلها تقول إنك رجل أعمال وطنى، ولابد أن يكون لك دور كبير فى النهضة الاقتصادية التى ستشهدها مصر خلال السنوات القادمة، ولذلك فهناك تفكير فى تعويضك بمنحك 1000 فدان فى مشروع المليون ونصف المليون فدان، وتأهيلك للعب دور مهم خلال السنوات القادمة.
قبل أن يبتلع أيمن الجميل ريقه، طلب منه النصاب ألا يتحدث مع أحد عن هذه المقابلة، ويعتبرها سرًا كاملًا، لحين الإعلان عنها بشكل مناسب.
سأله أيمن عن طريقة الاتصال به، فقال له النصاب: سنتصل بك نحن لكن قبل أن ينصرف منحه رقم تليفون، قال له: هذا رقمى الخاص وإذا أردت أى شىء فى أى وقت، اتصل بى فورًا.
بعد أن أصبح أيمن وحده، وضع الرقم على true caller، وكانت المفاجأة أن الرقم كان مسجلًا باسم رئاسة الجمهورية، فأدرك رجل الأعمال، الذى استولت عليه النشوة، وسيطر عليه وَهْم القرب من الرئاسة، أنه أمام كنوز الملك سليمان، دون أن يعرف أن أى شخص يستطيع أن يسجل أى رقم باسم رئاسة الجمهورية، وعندما تبحث عن الرقم ستجده باسم الرئاسة.
بدأت رحلة الاستنزاف
اتصالات متتالية بأيمن للاطمئنان عليه، وطمأنته بأن الرئيس يسأل عليه، وسيحقق له وعده، وأن الأرض التى سعى للحصول عليها من وزارة الزراعة سيحصل عليها دون عناء، هذا غير نصيبه فى مشروع المليون ونصف المليون فدان.
اقتنع «أيمن» بأنه سيكون صاحب دور كبير، فبدأ النصاب ورفاقه فى التحرك السريع، بدأوا يطلبون منه تبرعات لمشروعات كبرى، وحتى يطمئن قلبه، كان يحررها باسم هذه المشروعات ولصالح شركات فى الدولة، وعندما كانت هذه الشيكات تصل إلى البنك، كان هناك موظف يستكمل خطة النصب، ليحولها فى حسابات النصاب أو حسابات أخرى، وهذا الموظف أحد المتهمين الآن فى القضية، ويجرى التحقيق معه.
بعد شهور من الاستنزاف والدفع وفرحة أيمن الجميل بأن الرئيس حتمًا يعرف بشأن تبرعاته للمشروعات الكبرى، وهو ما سيفتح له كل الأبواب أمام الاستثمار والقوة والنفوذ، عرف أيمن أن من كان يقابله مجرد نصاب يدّعى قرابته لأسرة الرئيس، وكان هذا بعد أن قرأ أخبارًا عرف من خلالها أن النصاب الذى سقط هو نفسه الذى سبق وخدعه باسم الرئاسة.
المفاجأة، أن هذا النصاب «أحمد.م» ومساعده «مصطفى. ف» لم يسقطا بسبب النصب على «الجميل»، بل سقطا فى قضية مختلفة تمامًا، وبعيدة كل البعد عنه، فلم يكن هو زبونهما الوحيد على ما يبدو.
أدرك أيمن بعد مشاورات مع محاميه أنه فى ورطة، فسارع بتقديم بلاغ ضد النصاب ومساعده إلى الرقابة الإدارية، فقد كان النصاب صيدها الثمين.
أدلى أيمن الجميل بأقوال تفصيلية عن عملية النصب التى تعرض لها، قدم صورًا من الشيكات التى حررها للنصاب، سواء تلك التى حررها لشركات وجهات حكومية، أو التى حررها له باسمه مباشرة.
كانت الملاحظة الأساسية عند رجال الرقابة الإدارية الذين حققوا مع أيمن الجميل، ليس أنه، ورغم خبرته الواسعة فى دنيا المال والأعمال، سقط بهذه السهولة فى شبكة نصابين مهما كانا محترفين، ولكن أنه فكر مجرد تفكير أن يقدم رشوة للرئيس، معتقدًا أنه يمكن أن يحظى بقرب أو يحصل على استثناء، أو حتى يصبح من رجال النظام. يمكن أن تدافع عن رجل الأعمال وتقول إنه كان يتبرع للمشروعات الكبرى، وهذا يحسب له، لأنه فى النهاية استجاب لدعوة الرئيس نفسه للتبرع.
سأقول لك: شىء من هذا لم يحدث على الإطلاق.
فلو أن أيمن الجميل صاحب الثروة الأسطورية، أراد أن يتبرع للمشروعات الكبرى، لفعل ذلك بالطريق المعتاد، وهو التبرع لصندوق «تحيا مصر»، سواء أعلن ذلك أو أخفاه، هو حر تمامًا فى ذلك، لكنه اعتقد، فى لحظة خانه فيها ذكاؤه، أنه يفتح خطًا مع الرئيس، يقدم تبرعًا أقرب ما يكون إلى الرشوة.
وهنا لابد أن تسأل: هل وصل جنونه إلى هذه الدرجة؟ يعتقد أنه يمكن أن يرشى الرئيس شخصيًا!.
يمكنك أن تتعاطف مع أيمن الجميل، فما حدث له فى النهاية مصيبة مكتملة الأركان، كان خارجًا لتوه من السجن، حتى الآن لم يحصل على الأرض التى تبلغ 2500 فدان - رغم أن كل المصادر تؤكد أنه سيحصل عليها - يأتى نصاب بعد ذلك ليحصل منه على هذا المبلغ الكبير، ولا أحد يدرى هل ستعود له أمواله، أم أنها ذهبت أدراج الرياح، فالقضية لا تزال قيد التحقيق، ونيابة أمن الدولة العليا تواصل عملها فيها. لكنك حتمًا ستفقد هذا التعاطف، إذا عرفت أن أيمن الجميل يشيع الآن أنه هو من بادر وأبلغ عن النصاب الذى استخدم اسم عائلة الرئيس ليصطاد ضحاياه، فهو من ناحية يريد أن يؤكد للجميع أنه ليس بهذه السذاجة التى تجعله يقع فى فخ نصاب عابر، ومن ناحية أخرى يريد تأكيد أنه رفض استغلال اسم الرئيس فبادر إلى الإبلاغ عمن استخدموا اسمه، وبذلك ينجو من أى مساءلة من أى نوع.
خان أيمن الجميل أنه ليس وحده من يملك رواية الأحداث، فمقربون مما جرى أكدوا أنه لم يتقدم بالبلاغ إلا بعد القبض على النصابين، وقد تلقى لومًا وعتابًا وتأنيبًا على أنه لم يبادر ويكشف عمن يتحدث باسم الرئيس.
محمد الباز - جريدة الدستور