في دراسة رائدة قام بها ثلاثة من الباحثين الغربيين هم إسحاق دوين Ishac Diwan، ومارك تشيفبور Marc Schiffbour، وفيليب كيفير Philip Keefer ، عن أثر اقتصاد المحاسيب أو رأسمالية المحاسيب Crony Capitalism صادرة عام 2013، انتهت إلى نتائج على درجة عالية جدا من الأهمية والخطورة، فبعد أن جرى تحديد المفهوم والتعريف الإجرائي للمشروعات ذات الصلة بالحكم والإدارة (PCF ) Politically Connected Firms ، والتي يقصد بها أن يكون مديرها أو أصحابها على صلة بأفراد في الحكم والإدارة، أو عضوا في الحزب الحاكم، أو في مركز أبحاث يديره أو أسسه نجل الرئيس مبارك، أو عضوا في مجلس إدارة إحدى المؤسسات الرسمية أو الحكومية، حددت الدراسة (469) شركة يتحكم فيها (32) من كبار رجال الأعمال في مصر بصورة مباشرة أو غير مباشرة، على صلة بنجل الرئيس حسني مبارك (جمال مبارك) وبالحكم والحزب الحاكم، وقد توزعت هذه الشركات والمشروعات على النحو التالي:
- أن هذه الشركات تتوزع بين 20 شركة قابضة Holding، والباقي شركات تابعة وفرعية.
-47 شركة منها لديها واحد على الأقل من كبار رجال المال والأعمال على صلة بالحكم والسياسة يشغل وظيفة مدير لها.
- 140 شركة لديها عضو مجلس إدارة واحد على الأقل من كبار رجال المال والأعمال على صلة بالحكم والسياسة.
- 334 شركة لديها على الأقل واحد من رجال المال والأعمال على صلة بالحكم والسياسة.
- 172 مشروعا منها حصلت على معظم استثماراتها من صناديق استثمار تدار من جانب رجال المال والأعمال أو أكثر على صلة بالحكم والسياسة.
وقد تبين من واقع هذه الدراسة المهمة أوضاع هذه الشركات على النحو التالي:
1- أن هذه الشركات (469 شركة) لا يعمل بها سوى 569 ألف موظف وعامل فقط، بما لا يشكل سوى 11% فقط من العمالة الصناعية بالقطاع الخاص المنظم Formal، مقابل 7.2 مليون عامل وموظف يعملون في بقية المنشآت الاقتصادية (غير الزراعية وغير الحكومية وفقا لنتائج تعداد عام 2006).
2-معظم هذه الشركات أو المنشآت تعمل في مجالات الصناعة مثل الصناعات الغذائية والسيارات والنسيج والملابس الجاهزة، والبلاستيك، والسيراميك والأسمنت والصناعات المعدنية، ثم تأتي بعدها الخدمات السياحية، وأخيرا تأتي صناعة البرمجيات والمعلوماتية.
3- كما تبين أن معظم هذه الشركات قد نشأت بعد عام 2000 في إطار إعادة تنظيم المشروعات العائلية.
4-كما أن معظم هذه الشركات أنشئت كشركات قابضة Holding Companies، وشركات تابعة وهذا يحقق لأصحابها عدة أهداف وأغراض أهمها:
أ- يؤدي إلى خفض مدفوعات الضرائب وفقا لقانون الضرائب الذي عدل بالقانون رقم (91) لسنة 2005
ب-يسمح لهم بفرص أكبر للاقتراض من البنوك والتملص من القيود المصرفية (السقوف الائتمانية).
ت-يسمح لهم ببيع بعض أصولهم في أي وقت وإعادة التموضع داخل وخارج البلاد وإخراج أموالهم إلى الخارج.
وقد أظهرت الدراسة كذلك نتائج جد خطيرة ومن أهمها:
1- أن هذه الشركات بينما لا توظف سوى 11% من العمالة الموجودة بالقطاع الخاص المنظم، فإنها تحقق 60% من صافي الأرباح المحققة سنويا في هذا القطاع المنظم، كما أنها تحصل على 92% من إجمالي القروض الممنوحة من البنوك لهذا القطاع المنظم.
2- أن هذه الشركات وأصحابها يحصلون على الأراضي بأسعار بخسة جدا، والتي تدخل بدورها كعنصر من عناصر تقييم الأصول في هذه الشركات، بما يقيمها ماليا واقتصاديا بأعلى من قيمتها الحقيقية، وبما يسمح بالتالي بالحصول على الائتمان المصرفي المبالغ فيه.
3- كما تحصل هذه المشروعات المرتبطة سياسيا على حماية من المنافسة الأجنبية عبر القيود غير الجمركية Non –Traffic Procedures.
4- كما تحصل على دعم الطاقة خصوصا للمشروعات كثيفة استخدام الطاقة (36% منها) تعمل في صناعات كثيفة استخدام الطاقة، و21% منها في مشروعات منخفضة استخدام الطاقة.
5- وتحصل هذه المشروعات على حصة أكبر في السوق المصرية وفي الخارج، وأن لديها أعلى هوامش للأرباح، وهي وإن كانت الأكثر كثافة في رأس المال، فإنها ليست بالضرورة الأعلى إنتاجية.
6- وتؤدي المزايا التي تحصل عليها هذه الشركات إلى إضعاف فرص دخول السوق لدى المشروعات الأصغر حجما وبالتالي تقليل المنافسة.
7- كما يؤدي تمويل هذه المشروعات من خلال صناديق استثمار خاصة يملكها أو يديرها رجال أعمال مرتبطون أيضا بالحكم والسياسة، إلى تكامل رأسي فيما بين هؤلاء رجال الأعمال، وبالتالي يحد من المنافسة فيما بينهم.
هكذا يبدو بوضوح كيف تنشأ الميول الاحتكارية داخل الاقتصاد المصري، بسبب هذا التكامل والتواطؤ بين رجال المال والأعمال وبعضهم البعض من ناحية، وتواطؤ وصمت بل ومشاركة الدولة وأجهزتها ومسئوليها في هذه العملية الخطيرة والضارة بمستقبل البلاد من ناحية أخرى.
8- تزامن مع نمو ظاهرة المشروعات المرتبطة بالحكم والسياسة خلال العقد الأخير من حكم مبارك ( 2000_ 2010)، تنامي ظاهرة أخرى هي تزايد معدل هروب وتهريب الأموال إلى الخارج، بحيث قدرتها الدراسة بحوالي 5% إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي المصري سنويا (أي ما يتراوح بين 50 إلى 100 مليار جنيه سنويا).
9- كما تبين من حيث الملكية أن (289 شركة) بنسبة 62% مملوكة بواسطة عائلة أعمال واحدة، وهناك (180 شركة) بنسبة 38% مملوكة بواسطة عائلتين على الأقل، و79 مشروعا بنسبة 17% مملوكة بواسطة أربع عائلات على الأقل، وهناك 37 مشروعا بنسبة 8% مملوكة بواسطة 6 عائلات على الأقل.
فهل هذا تعبير عن دولة فقيرة.. وفقيرة قوي كما يقال؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق